Sunday, May 18, 2014

الإنسان عبد الإحسان

إحياء علوم الدين (3/ 391، )
السبب الثاني: الإحسان، فإن الإنسان عبد الإحسان، وقد جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها، 
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم لا تجعل لفاجر علي يداً فيحبه قلبي " إشارة إلى أن حب القلب للمحسن اضطراراً لا يستطاع دفعه، وهو جبلة وفطرة لا سبيل إلى تغييرها، وبهذا السبب قد يحب الإنسان الأجنبي الذي لا قرابة بينه وبينه ولا علاقة، وهذا إذا حقق رجع السبب الأول، 


فإن المحسن من أمد بالمال والمعونة وسائر الأسباب الموصلة إلى دوام الوجود وكمال الوجود وحصول الحظوظ التي بها يتهيأ الوجود، إلا أن الفرق أن أعضاء الإنسان محبوبة لأن بها كمال وجوده وهي عين الكمال المطلوب، فأما المحسن فليس هو عين الكمال المطلوب ولكن قد يكون سبباً له كالطبيب يكون سبباً في دوام صحة الأعضاء، ففرق بين حب الصحة وبين حب الطبيب الذي هو سبب الصحة، 

إذ الصحة مطلوبة لذاتها والطبيب محبوب لا لذاته بل لأنه سبب الصحة وكذلك العلم محبوب والأستاذ محبوب، ولكن العلم محبوب لذاته والأستاذ محبوب لكونه سبب العلم المحبوب. 

وكذلك الطعام والشراب محبوب والدنانير محبوبة، لكن الطعام محبوب لذاته والدنانير محبوبة لأنها وسيلة إلى الطعام. 

فإذن يرجع الفرق إلى تفاوت الرتبة، وإلا فكل واحد يرجع إلى محبة الإنسان نفسه، فكل من أحب المحسن لإحسانه فما أحب ذاته تحقيقاً بل أحب إحسانه وهو فعل من أفعاله لو زال زال الحب مع بقاء ذاته تحقيقاً، ولو نقص نقص الحب ولو زاد زاد، ويتطرق إليه الزيادة والنقصان بحسب زيادة الإحسان ونقصانه.

الكتاب : إحياء علوم الدين
المؤلف : أبو حامد الغزالي
مصدر الكتاب : موقع الوراق
http://www.alwarraq.com

No comments: