Saturday, September 20, 2008

إن الوالي في الأغلب يكون متكبراً

الأصل الرابع

إن الوالي في الأغلب يكون متكبراً

ومن التكبر يحدث عليه السخط الداعية إلى الانتقام، والغضب غول العقل وعدوه وآفته، وقد ذكرنا ذلك في كتاب الغضب في ربع المهلكات. وإذا كان الغضب غالباً فينبغي أن يميل في الأمور إلى جانب العفو ويتعود الكرم والتجاوز فإذا صار ذلك عادة لك ماثلت الأنبياء والأولياء، ومتى جعلت إمضاء الغضب عادة ماثلت السباع والدواب.

حكاية: يقال أن أبا جعفر المنصور أمر بقتل رجل، والمبارك بن الفضل حاضر فقال: يا أمير المؤمنين أسمع خبراً قبل أن تقتله: روى الحسن البصري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: )إذا كان يوم القيامة وجمع الخلائق في صعيد واحد، نادي منادٍ من كان له عند الله يد فليقم، فلا يقوم إلا من عفا عن الناس، فقال أطلقوه فأني قد عفوت عنه( . وأكثر ما يكون غضب الولاة على من ذكرهم وطوّل لسانه عليهم فيسعون في سفك دمه.

قال عيسى عليه السلام ليحيى بن زكريا عليهما السلام: إذا ذكرك أحد بشيء وقال فيك صحيحاً فاشكر الله، وإن قال فيك كذباً فازدد من ذكر الشكر، فإنه يزيد في ديوان أعمالك وأنت مستريح، يعني أن حسناته تكتب لك في ديوانك.

وذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقيل إن فلاناً رجل قوي شجاع فقال: كيف ذاك? فقالوا: يقوى بكل أحد وما صارع أحداً إلا صرعه فقال عليه الصلاة السلام: )القوي الشجاع من قهر نفسه لا من صرع غيره( .

وقال عليه الصلاة والسلام: )ثلاث من كانت فيه فقد كمل إيمانه من كظم غيظه وأنصف في حال رضاه وغضبه وعفا عند المقدرة( . وقال عمر ابن الخطاب: لا تعتمد على خلق رجل حتى تجربه عند الغضب.

حكاية: قيل عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه بلغه عن رجل كلام يكرهه فأخذ طبقاً مملوأً من التمر الجني وحمله بنفسه إلى دار ذلك الرجل فطرق الباب فقام الرجل وفتح الباب فنظر إلى الحسين ومعه الطبق فقال: وما هذا يا ابن بنت رسول الله? قال: خذه فأنه بلغني عنك إنك أهديت إليّ حسناتك فقابلت بهذا.

حكاية أخرى: خرج زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنه إلى المسجد فسبّه رجل فقصده غلمانه ليضربوه ويؤذنه فنهاهم زين العابدين وقال: كفوا أيديكم عنه، ثم التفت إلى ذلك الرجل وقال: يا هذا أنا أكثر مما تقول وما لا تعرفه مني أكثر مما قد عرفته فإن كان لك حاجة في ذكره ذكرته لك، فخجل واستحيى فخلع عليه زين العابدين قميصه وأمر له بألف درهم فمضي الرجل وهو يقول: أشهد أن هذا الشاب ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويروى أن زين العابدين استدعى غلاماً له وناداه مرتين فلم يجبه فقال له زين العابدين: أما سمعت ندائي? فقال: بلى قد سمعت، قال: فما حملك على تركك إجابتي عليّ? قال: أمنت وعرفت طهارة أخلاقك فتكاسلت، فقال: الحمد لله الذي أمن مني عبدي. ويروى عنه أنه كان له غلام فعمد إلى شاة فكسر رجلها فقال له: لم فعلت هذا? قال: فعلته غمداً لأغيظك، قال: ما أنا أغيظ من الذي علمك وهو إبليس أذهب فأنت حر لوجه الله تعالى. ويروى أن رجلاً سبه فقال له زين العابدين: يا هذا بيني وبين جهنم عقبة إن أنا أجزتها فما أبالي وإن أنا لم أجزها فأنا أكثر مما تقول.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )قد يبلغ الرجل بحلمه وعفوه درجة الصائم القائم، ويكون رجل يكتب في جريدة الجائرين ولا ولاية له ولا حكم إلا على أهل منزله( . ويروى أن إبليس رأى موسى عليه السلام فقال: يا موسى أعلمك ثلاثة أشياء وتطلب لي من الله حاجة واحدة، فقال: وما الثلاثة أشياء? فقال يا موسى أحذر من الغضب والحرد، فإن الحَردان يكون خفيف الرأس وأنا ألعب به كما يلعب الصبيان بالكرة، وأحذر من البخل فإني أفسد على البخيل دنياه ودينه، وأحذر من النساء فإني ما نصبت للخلق شركاً اعتمد عليه مثل النساء.

وقال عليه الصلاة والسلام: )من كظم غيظه وهو قادر على أن لايكظمه ملأ الله قلبه بالإيمان، ومن لم يلبس ثوباً طويلاً خوفاً من التكبر والخيلاء ألبسه الله تعالى حلل الكرامة( . وقال عليه الصلاة والسلام: )ويل لمن يغضب وينسى غضب الله( . جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: علمني عملاً ادخل به الجنة، فقال: لا تغضب. قال: ثم ماذا? قال: استغفر الله قبل صلاة العصر سبعين مرة لتكفر عنك ذنوب سبعين سنة، فقال: ما لي ذنوب سبعين سنة، فقال: لأمك، قال: وما لأمي ذنوب سبعين سنة، قال: لأبيك، قال: وما لأبي ذنوب سبعين سنة قال: لأخوتك? قال: نعم.

وروى ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم يوماً مالاً فقال له رجل: ما هذه القسمة? يعني أنها ليست بإنصاف، فحكيت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب واحمرّ وجهه ولم يقل شيئاً سوى أن قال: رحم الله أخي موسى فإنه أوذي فصبر على الأذى.

فهذه الجملة من الحكايات والأخبار تقنع في نصيحة الولاة إذا كان أصل إيمانهم ثابتاً اثر فيه هذا القدر، فإن لم يؤثر ما ذكرناه فيهم فقد أخلوا قلوبهم من الإيمان، وإنه ما بقي من إيمانهم إلا الحديث باللسان. عامل يتناول من أموال المسلمين في كل سنة كذا وكذا ألف درهم ويبقى في ذمته، ويطالب بها في القيامة ويحصل بمنفوعها ويبؤ بالعقوبة والعذاب يوم المرجع والمآب كيف تؤثر عنده هذه الأسباب? وهذا نهاية الغفلة، وقلة الدين وضعف النحلة.

No comments: